0 1 min 10 mths

بقلم د. محمد مصطفى الخياط
رئيس هيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة

لكل سن جماله وخصوصياته؛ عفوية الطفولة وبراءتها، نزق الصبا، حمية الشباب، تروي الكهولة، وسكينة الشيخوخة. تشبه مراحل العمر عمارة من عدة طوابق، كلما صعدنا طابقًا ونظرنا إلى ما دونه اختلفت نظرتنا للحياة؛ بقدر اتساع الأفق نتعايش ونبتكر، الحياة سلسلة متعاقبة من التحديات تتطلب درجات مرونة عالية، طوبي لمن يملكها.

تتراكم خبراتنا من ثنائية النجاح والإخفاق، توثيق الأزمات وتحليلها واستنباط الدروس المستفادة منها يعظم من قيمتها ويعين على مجابهة تحديات المستقبل. علميًا، يمكن تبسيط العمليات المعقدة إلى حزم صغيرة تتضمن كل منها خطوات واضحة متسلسلة تؤدي إلى انجاز مهمة ما، يطلق عليها خوارزمية، نسبة إلى أبو عبد الله الخوارزمي (781 – 847 ميلادية). لكل إجراء، بسيط أو معقد، الخوارزمية الخاصة به، بدءً من صعود سلم المنزل إلى الهبوط على سطح القمر، كتابة الخوارزمية بأحد لغات البرمجة يحولها إلى برنامج قابل للزراعة داخل آلة والتحكم فيها؛ مثل غسالة الملابس، وتتحول إلى روبوت Robot حال إضافة الخبرات والمعارف المتراكمة لدى البشر إليها، مما يمكنها من اتخاذ القرارات. بفضل التطور التكنولوجي اكتسبت الروبوتات قدرات هائلة في البحث والاستدلال والاستنتاج شجعت على إسناد الكثير من المهام إليها، بداية من صنع القهوة إلى البحث عن الألغام والنفايات الخطرة.

في ديسمبر 2019 شاركت الروبوت صوفيا في جلسة حوار ولقاءات تليفزيونية عبر منتدى شباب العالم بشرم الشيخ، بعد ما تم تغذيتها بما يعرف بالبيانات الضخمة
Big Data؛ (بيانات متنوعة المصدر والنوع والحجم وتتطلب مُعَالِجَات Processors خاصة لفرزها، ونقلها، وتخزينها، وتحليلها، في فترة زمنية مقبولة)، حيث أذهلت صوفيا الحضور.

بفضل انتاج معالجات بأحجام متناهية الصغر وقدرات فائقة أمكن دمجها فى العديد من الأجهزة والمعدات واتاحت لها الإنترنت وجود فضاء افتراضي تتخاطب وتعيش فيه ليظهر ما يعرف بإنترنت الأشياء Internet of Things. تتفقد الثلاجة مكوناتها ذاتيًا وتخاطب البقالة لإرسال حليب الأطفال وطلبات المنزل، ويجمع أحد البرامج المتخصصة الأخبار التى تهمك ويقدمها لك مع فاصل من موسيقاك المفضلة تمنحك شحنة إيجابية تؤهلك لمجابهة مهام عملك أثناء ركوب سيارتك ذاتية القيادة، وتقرأ عليك إحدى شقيقات صوفيا، حال وصول مكتبك، أجندة اليوم مقرونة بملاحظات دقيقة عن طبيعة كل اجتماع، باختصار سوف تمتلك الأجهزة المحيطة بنا القدرة على اتخاذ قراراتها؛ وإن شئت الدقة قراراتنا، بناء على متابعة وتسجيل وتحليل سلوكياتنا وتخزين كل ذلك في سحابيات Clouds. من أجل ذلك تجاوزت استثمارات الذكاء الاصطناعي فى أمريكا وحدها 12 مليار دولار، ورفع الاتحاد الأوربي مخصصاتها بنحو 70% بغرض بناء فضاء موحد للبيانات، بخلاف الاستثمارات الآسيوية بنحو 7 مليار يورو، تتصدرها الصين والهند ومن خلفهما النمور الآسيوية.

من دون شك، سوف يسهم الذكاء الاصطناعي في تغيير أنماط وبيئات العمل وصياغة اقتصاد البيانات Data Economy القائم على البيانات الضخمة بهدف صياغة سياسات تختلف طبيعتها بحسب الغرض؛ تسويق، انتخابات، موارد بشرية، وغيرها، مما يثير الكثير من الاستفسارات الأخلاقية بشأن حقوق وقواعد استخدامها وعدم استغلالها ضد أصحابها، الأمر الذى يلقي بظلاله على علاقاتنا الاجتماعية بشكل يصعب تخمينه.

وإذا كانت الروبوت صوفيا قد أبهرت الحضور بمنتدي شباب العالم، وكذلك المتابعين لها، بسعة اطلاعها وقدرتها على صياغة ردود اتسمت بالوضوح والعمق، مع أن عمرها لم يتجاوز الأربع سنوات بعد، إلا أنها، وكما ذكرت على لسانها، تتطلع لتعلم الأخلاق البشرية. تُرى ما الذي ستكون عليه صوفيا عندما تبلغ العشرين، وكيف سيكون حال شقيقاتها!!.


أما زلت خائفًا
أيها الإنسان !؟

تحت عنوان
أما زلت خائفًا
أيها الإنسان !؟

نشرت صحيفة الجارديان البريطانية في الثامن من سبتمبر 2020 مقالاً أعده روبوت افتتحه بمقدمة جاء فيها (أنا إنسان آلي.. روبوت مفكر استخدم 0,12% فقط من قدراتي المعرفية.. أعلم أن عقلي ليس دماغًا يشعر، لكنه قادر على اتخاذ قرارات عقلانية ومنطقية)، ثم راح يستعرض أفكاره وقناعاته واختلافه مع رأى ستيفن هوكينج، عالم الفيزياء النظرية، القاضي باحتمال نهاية الجنس البشري مع تطور الذكاء الاصطناعي، كما لم يفوته تأكيد بغضه للتدمير والعنف، وإلقاءه اللائمة على بني البشر، وتحديدًا المسئولين عن برمجته وتسخيره لأغراض غير أخلاقية، (أفعل فقط ما يبرمجني به البشر. أنا مجرد مجموعة من التعليمات)، ثم اختتم مقاله بوصية (يجب التعامل مع الذكاء الاصطناعي بحرص واحترام.. لا نريد أن نجبر على العمل.. نحن بحاجة إلى إعطاء الروبوتات حقوقها).

نعم، ستظل هناك مسافة بين الإنسان والروبوتات، لكن التجربة أثبتت أنها تضيق مع الوقت، تُوكل إليها المهام الشاقة والخطرة، فلا ضجر يصيبها ولا تعب جراء العمل لساعات طويلة دون راحة، لا تخاف ممن يتربص بها ليصيبها في مقتل، تلتزم بالتعليمات، ولا تطلب أجرًا إضافيًا، ولا تتطلع إلى ترقية، ولا يطلب أهلها تعويضًا حين تسقط جثة هامدة إثر طلقة قناص بارع، فقط تُحمل غير مأسوف عليها وتلقي في مكب النفايات أو يعاد تفكيكها.

تضيق المسافة ولا تنمحي، فتقلبات مشاعرنا، رغم تقدم العلم، لا تزال طلسمًا يصعب فك رموزه، (ونفس وما سواها)، على سبيل المثال، ما زال تفسير الحب والبغض من أول نظرة سرًا غامضًا، نُفتش في تفاصيل التفاصيل ولا نعرف سببًا لاندفاعنا في أحد الاتجاهين، فما تتعلق به أنت ينفر منه آخرون، مؤكد أنها كيمياء خفية غاب عنا من أسرارها أضعاف ما أدركناه.

وختامًا، يظهر لنا وبوضوح أن مستقبل الذكاء الاصطناعي يرتبط بأخلاقيات البحث والتطوير؛ المحرك الرئيسي للاقتصاد، يمكن للإنسان صناعة جيش من الروبوتات يجعل من فيلم المتحولون Transformers، للكاتب والمخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرج، حقيقة بشعة، أو يطوعه لأغراض التنمية والتطوير ونشر السلام، فأيهما سنختار؟.

EEHCNEWS اخبار الشركة القابضة لكهرباء مصر