
د. محمود فتح الله
مدير إدارة شؤون البيئة والأرصاد الجوية
جامعة الدول العربية
Email:Mahmoud.fathallah@las.int
أصبح تغير المناخ حقيقة واقعة، وبات من الثابت أن درجة الحرارة قد ارتفعت في المتوسط بمقدار 0.76 درجة مئوية خلال القرن العشرين، كما ارتفع مستوى سطح البحر بـ 17 سنتيمتر خلال نفس الفترة ، وإن حدوث ارتفاع في درجات الحرارة بمقدار 2 درجة مئوية يشكل المرحلة الحرجة، وأن المنطقة العربية الواقعة في نطاق المناطق الجافة والقاحلة ستكون من أكثر المناطق عرضة للتأثيرات المحتملة للتغيرات المناخية من تهديد للمناطق الساحلية، وازدياد حدة الجفاف والتصحر وشح الموارد المائية، وزيادة ملوحة المياه الجوفية، وانتشار الأوبئة والآفات والأمراض على نحو غير مسبوق. وقد أدركت الدول العربية أنه لا بديل في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين عن التكيف مع تغير المناخ، وإن كانت تلك القدرة على التكيف غير متساوية ما بين الدول المتقدمة والدول النامية. من هنا، قامت الدول العربية وبالتنسيق مع الأمانة العامة للجامعة العربية بإعداد وتنفيذ “خطة العمل العربية للتعامل مع قضايا تغير المناخ” والتي تأتي في إطار تعزيز العمل العربي المشترك لمجابهة الآثار المحتملة له والحد من مخاطر منعكساته الاقتصادية والاجتماعية، وذلك تنفيذا للإعلان الوزاري العربي حول التغير المناخي الصادر عن مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة منذ بدايات الاهتمام العالمي بهذه القضية في عام 2007.
وترمي خطة العمل العربية للتعامل مع قضايا التغير المناخي إلى زيادة قدرة الدول العربية على اتخاذ التدابير الملائمة للتعامل مع قضايا التغير المناخي على نحو يقلل من منعكساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبما ينسجم ومتطلبات التنمية المستدامة في المنطقة العربية، من خلال تمكين البنى الاجتماعية والمؤسساتية والقطاعات الاقتصادية على تقييم الآثار المترتبة على تغير المناخ ووضع سياسات وبرامج التخفيف من الانبعاثات، والتكيف مع الآثار المحتملة لتغير المناخ. ومن أهم السياسات التي تهدف للتخفيف من الانبعاثات تلك السياسات الخاصة بقطاع الطاقة وهو القطاع الذي يستحوذ على أهمية استراتيجية كبيرة في معظم الدول العربية باعتبارها دول منتجة للبترول والغاز وأيضاً باعتبارها دول يرتفع فيها متوسط نصيب الفرد من الطاقة الكهربائية ومن هنا تلعب سياسات وإجراءات زيادة مساهمة الطاقة المتجددة وترشيد استخدامها وتحسين كفاءتها دور “سياسات التخفيفMitigation Policy ” من آثار تغير المناخ التي يتم تطبيقها في قطاع الطاقة وتزداد أهميتها المستقبلية بشكل كبير.
وفي هذا الإطار، فإن الاستراتيجية العربية للطاقة المستدامة 2030 التي تم إعتمادها في قمة بيروت الاقتصادية عام 2019 تهدف إلى تحقيق خفض في انبعاثات قطاع الطاقة في الدول العربية لتصل إلى 860 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون CO2 في عام 2030، أي ما يعادل حوالي 22% فقط من انبعاثات قطاع الطاقة حالياً. وحيث يستأثر انتاج الكهرباء بالنسبة الأكبر من مجمل الانبعاثات (خوالي 30٪) من انبعاثات قطاع الطاقة وبفعل إجراءات التخفيف المتخذة في قطاع الكهرباء وفق استراتيجية التنمية المستدامة فإن قطاع الكهرباء سيساهم عام 2030 بمفرده بنسبة تصل إلى 64% من مجمل الخفض المتوقع تحقيقه في كامل قطاع الطاقة في الدول العربية لعام 2030، وعلى الرغم من هذا الخفض الكبير في انبعاثات الكربون في قطاع الطاقة إلا أن متوسط كمية الانبعاثات للفرد سوف تزداد من 5.55 طن-CO2/للفرد في السنة حالياً لتصل إلى 6.2 طن-CO2/للفرد في السنة عام 2030.و يرجع ذلك إلى أن تنمية قطاع الكهرباء في الدول العربية سوف تؤدي إلى زيادة معدل الوصول لخدمات الطاقة بمعدل أكبر من مقدرة إجراءات التخفيف المتبعة على مجابهته بشكل كامل.