0 1 min 1 yr

بقلم د. محمد مصطفى الخياط
رئيس هيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة

إلى مراتع الصبا. تذكرت مع صديق تفاصيل دفناها منذ سنوات طوال تحت البلاطة في البلدة البعيدة. استيقظت فجأة من دون مقدمات وراحت تجر خيط ذكريات طويل.
أين ذهبت نبقة العم عمران، وأين اختفت توتة الخالة جليلة بحباتها المتلألئة في وهج الشمس؛ أسود مُشرب بحمرة وآخر ببشرة بيضاء من غير سوء

في توثيق فريد نشرت جريدة النيويورك تايمز صورًا من أنحاء العالم تسجل آثار تغير المناخ؛ القارب الذي كان ينتظر صاحبه في بوليفيا كل صباح ليبدئا معًا رحلة البحث عن لقمة العيش ليعود بقوت أسرته الصغيرة، استقر على اليابسة بعد ما جفت مياه البحيرة.

الطرق الصحراوية وقوافل سيارات الدفع الرباعي المحملة بالمهاجرين المحاصرين بمناطق الجفاف في النيجر إلى أخرى في ليبيا اختلط فيها رغيف الخبز بطلقات الرصاص.

حرائق الغابات في دول جنوب أوربا؛ اليونان، تركيا، إسبانيا، البرتغال، وإيطاليا، وتأثيرها على التوازن البيئي؛ فقد رئة طبيعية تمتص ثاني أكسيد الكربون وتنفث الأكسجين، هجرة ملايين الطيور وآلاف الحيوانات موئلها الطبيعي، فضلاً عما تسببه الحرائق من احترار. الجسر المنهار بين ضفتي النهر في الريف الأوربي بعد ما أغرقت الفيضانات مناطق عديدة مشتركة في فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا.
الهندي البسيط الذي لم يجد أمام تخطي درجة الحرارة حاجز الخمسين درجة مئوية سوى إغراق جسده بالماء ووضع رأسه تحت صنبور مياه. وصور أخري ترسم كل منها حسرة في دولة ما.

أورد تقرير «وضع تغير المناخ» الصادر عن PricewaterhouseCoopers تحقيق الاستثمار في تقنيات تغير المناخ معدلات نمو تجاوزت 200% مقارنة بعام 2020، ليس بارتفاع متوسط الاستثمار لكل مشروع بل وفي عدد المستثمرين من 900 إلى أكثر من 1600. يعقد الكثيرون الأمل على الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وتحويل المخلفات إلى طاقة، أضيف إليها تحسين كفاءة استخدام الطاقة

في الوقت الذي تساهم فيه مصر بنحو 0,6% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، تعمل على الوصول بمساهمة المصادر المتجددة لأكثر من 40% عام 2035، في هذا الإطار، أصدرت وزارة المالية تقرير «أثر تخصيص السندات الخضراء السيادية»، كانت الوزارة قد أطلقت أول حزمة من تلك السندات في سبتمبر 2020، حصدت بموجبها 750 مليون دولار. استثمر أكثر من ثلثها، وينتظر تخطى 60% العام الحالي، لتمويل مشروعات معالجة مياه الصرف الصحي، وشبكات مياه الشرب، والقطار الكهربي السريع، وغيرها من المجالات..

تعد مناطق الدلتا والمحافظات الساحلية المصرية الأكثر تهديدًا بتغير المناخ؛ ارتفاع منسوب البحار جراء ذوبان كتل الجليد من جهة، إلى جانب احتمالات تصحر -تحول المناطق الزراعية إلى مناطق قاحلة- يتمدد في أنحائها(شجر الإسمنت)، كما قال الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في قصيدة تحمل ذات الاسم؛ (ينمو كنبات الفِطْرِ/ يكسو قشرة الأرضِ/ فلا موضعَ للعشبِ/ ولا معنىلهذا المطر الدافقِ/ فوق الحجرِ المصمَتِ/ لا ينبت إلا صدأ/ أو طحلبا دون جذورْ).

ضمن المساعي الحثيثة لخفض تأثيرات تغير المناخ، وعلى وقع إيقاعات صفر انبعاثات كربون، ونغمات حيادية الكربون، وتسبيحات عالم بلا كربون، عُقد مؤتمر الأطراف السادس والعشرين لتغيير المناخ، COP 26، بمدينة جلاسجو، تحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة أكثر من مائة من قادة العالم، ومشاركين ناهز عددهم الثلاثين ألفًا. ليأتي من حيث الأهمية، بعد مؤتمر باريس، COP 21، ديسمبر 2015.
سنوات طويلة من الشد والجذب، الثابت فيها وعود دول صناعية بلون ألوان الطيف، ولهفة دول بين فقيرة تتضور جوعًا، وجُزرية توشك على الغرق. عبر الإنترنت، ومن وسط الماء، ألقي وزير خارجية دولة توفالو (جزيرة بالمحيط الهادي) كلمة بلاده في المؤتمر، منبهًا أن الماء الذي يصل الآن إلى ركبتيه سوف يرتفع ليُخفي الجزيرة بالكامل بنهاية القرن، إن لم نكافح تغير المناخ.

يهدد ارتفاع درجة حرارة الكون أعلى من 1,5 درجة مئوية أكثر من أربعين دولة جُزرية (دول تتكون من جزيرة أو أكثر). كانت المادة 2-أ من اتفاقية باريس، قد نصت على «الإبقاء على ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية في حدود أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية.
حاليًا، سجلت درجة حرارة الكون زيادة 0,9 درجة مئوية مقارنة بمعدلات عام 1900، الاستمرار بنفس الوتيرة كفيل –على الأقل- بمضاعفتها، ليصبح العالم على المحك، وتصبح كثير من الدول الجزرية ماضٍ بلا أثر.
على الجانب التنفيذي، أثبتت الأيام أن ما أظهرته الدول الكبرى من حماس تجاه شقيقاتها النامية، يكفي لإشعال وقود أحلام اليقظة لا أكثر. ففي مبدأ (اللغة حمالة أوجه) براحٌ كبير.

وقف العالم على أطراف أصابعه أمام اعتراض الهند على الفقرة الخاصة بالفحم في اتفاقية جلاسجو، حين طلبت استبدال (التخفيض التدريجي) بدلا من (التخلص التدريجي) من الفحم. كان الدعم الصيني للهند واضحًا، وإن شئت الدقة؛ التنسيق المشترك بينهما، اختنق صوت رئيس المؤتمر، آللوك شارما، واصفًا الاتفاق بأنه (انتصار هش). في حين عقب رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون قائلاً (يشوب سعادتي خيبة أمل).
المفارقة أن بعض الدول المساندة للفحم، سبق وأعلنت أهدافها لتحقيق الحياد الكربوني وعلى رأسها الصين بحلول عام 2060، بينما شدت الهند خطًا عند عام 2070. لتظل العبرة بما تنتهجه الدول من آليات وليس ما تعلنه من أهداف.
يمر طريق الحياد الكربوني عبر عدة مستويات، الأول؛ آلية شفافة ومحايدة لتسجيل وتقييم الوضع الراهن من مصادر الانبعاثات تسمح بمتابعتها مستقبليًا. الثاني؛ صياغة مسارات ناجعة لخفض انبعاثات الكربون تشمل زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتطبيق معايير صارمة لكفاءة استخدام الطاقة، وزيادة الرقعة الزراعية، مع خفض انبعاثات المصادر الأحفورية. الثالث؛ تدبير التمويلات المالية اللازمة. الرابع؛ صياغة سياسات مرنة قادرة على جذب رؤوس الأموال محلية كانت أو أجنبية من جهة، وبث رسائل طمأنينة للمستثمرين.

كعادتها، تراعي الاجتماعات الدولية الكبرى ترك الملفات مفتوحة على الطاولة، في انتظار وجوه جديدة تستخدم لغة مختلفة، أما الفعل فيبقى واحد. خطوة تنظيم. لا تغلقها فتتخفف من عبئها، ولا تهملها فتلام على فعلها. ومع تأخر الحسم يتلبد الأفق برماد كثيف. فلا تدري هل يتحقق صفر كربون،

أم الصفر فقط !!!؟

EEHCNEWS اخبار الشركة القابضة لكهرباء مصر