تعد الجرائم الواردة على التيار الكهربائي من الجرائم الأكثر انتشاراً فى الآونة الأخيرة فى معظم الدول وعلى الأخص فى بلدنا مصر ، وقد كثرت أساليب وطرق ارتكابها كما تعددت دوافعها مما حدا ببعض الدول إلى العمل على الحد من هذه الظاهرة عن طريق إقرار وتشديد العقوبات المقررة لهذه الجرائم أو إصدار لوائح تنظم هذا الشأن وتعاقب على اختلاس هذه الخدمات أو سوء استخدامها.
ومما لا شك فيه أن التعدي على ملكية التيار الكهربائي يقع أساساً فى بوتقة جرائم الاعتداء على الأموال لأن القانون يسبغ حمايته على كافة الأموال بغض النظر عما إذا كانت ملكية التيار الكهربائي عامة أو خاصة ما دام أن فاعل الجريمة يعلم أنه لا ملكية له عليها. و لا حق له فى استخدامها. وأنه يتعدى على هذه الحقوق بغير رضاء مالكيها.
ولعل البحث فى جريمة سرقة التيار الكهربائي يحظى بأهمية كبيرة ،خاصة أن هذه الأخيرة تعتبر فى أغلب الأحوال من الأموال العامة إذ لابد من المحافظة عليها بمنع العبث أو التعدي عليها ، وقد كفل الدستور المصري الصادر عام 2014 حماية هذه الأموال إذ نص فى المادة 33 ، 34 منه على أنه:-
-م33 :- تحمى الدولة الملكية بأنواعها الثلاثة ، الملكية العامة ، والملكية الخاصة والملكية التعاونية.
م 34:- للملكية العامة حرمه ، لا يجوز المساس بها وحمايتها واجب وفقاً للقانون.
كما نصت المادة 24 من قانون الكهرباء الجديد رقم 87 لسنة 2015 بأن «مرفق الكهرباء من المرافق العامة ، ويعمل فى الاستراتيجية والسياسات المعتمدة من الدولة».
ويبنى على ما تقدم أن التيار الكهربائي يعد من قبيل الأموال العامة التى أضفى عليها الدستور والقانون حمايته ضد أي جرائم ترد عليه

أولاً: انتشار ظاهرة التعدي على التيار الكهربائي:-
كثر فى الآونة الأخيرة انتشار الوسائل المختلفة للاستحواذ على التيار الكهربائي، من قبل المواطنين ذوى الدخل المحدود بالإضافة إلى وجود طائفة من التجار ممن يملكون محلات وأسواق تجارية ضخمة تعج بالأجهزة الكهربائية بحيث يلجأ هؤلاء إلى التلاعب بالعداد الكهربائي سواء بتعطيله كلياً أو جزئياً أو نقله من مكانه خلال فترة الاستهلاك ومن ثم إرجاعه ، أو عن طريق إيصال السلك الرئيس بعامود الكهرباء بحيث يقلل من كمية الاستهلاك الحقيقية.
وبالنظر إلى بيانات الأمن الاقتصادي على مدار الفترة الماضية، تمكنت وزارة الداخلية خلال منتصف العام الماضي 2021 ، من ضبط 1.331.284قضية سرقة تيار كهربائي، عبر حملات الأمن الاقتصادي اليومية.
وفى شهر يونيو 2021 تم ضبط 359295 قضية، بإجمالي متحصلات بلغت 283837207جنيه، بينما ضبطت فى يوليو 279447 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة شروط التعاقد ، بإجمالي متحصلات 206179244 جنيه ، ووصل الرقم فى أغسطس عام 2021 إلى 361785 قضية بإجمالي متحصلات 289458830جنيه.
وتمكنت حملات الأمن الاقتصادي طبقاً للنشرة الشهرية لوزارة الداخلية ، من ضبط 330757 حالة بمجال سرقة التيار الكهربائي بقيمة أكثر من 273مليون جنيه.
وبالمحصلة فإنه خلال الربع الأول من العام الجاري 2021فقط، تم ضبط أكثر من 971ألف قضية سرقة تيار كهربائى فى مصر

ثانياً: المدلول القانونى للتعدى على التيار الكهربائى:-
لاشك أن الاستيلاء على التيار الكهربائى يدخل فى طائفة جرائم السرقات، إذ أنها تعتبر من جرائم سرقة الأموال، بصرف النظر عن ملكية هذه الأموال سواء أكانت عامة أم خاصة، وفى الوقت الذى تعترف فيه التشريعات الجنائية بتجريم سرقة التيار الكهربائى واعتباره مالاً منقولاً. إلا أن هذه الجريمة كانت ولا زالت محلاً للاعتداء من قبل الكثير من الجناة فى معظم الدول، بل ويتم ارتكابها بشكل يومى ، بوسائل متعددة وأساليب متنوعة وبدوافع كثيرة حتى برزت كظاهرة عامة فى العديد من بلداننا العربية

ثالثاً: الطبيعة القانونية لجرائم الاستيلاء على التيار الكهربائى:-
عرف قانون العقوبات المصرى رقم 58 لسنة 1937 السرقة فى نص م 311 منه بأنه «كل من اختلس مالاً منقولاً مملوكاً لغيره فهو سارق».
كما عرفت بعض التشريعات العقابية العربية السرقة على النحو التالى:-
(اختلاس مال منقول مملوك لغير الجانى عمداً ويعتبر مالاً منقولاً لتطبيق أحكام السرقة النبات وكل ما هو متصل بالأرض أو مغروس فيها بمجرد فصله والثمار بمجرد قطفها والقوى الكهربائية والمائية وكل طاقة أو قوة محرزة أخرى) (قانون العقوبات العراقى) وعرفت أيضاً على أنها (أخذ مال الغير المنقول خفية أو عنوة بقصد التملك (قانون العقوبات اللبنانى) وأيضاً هى (السرقة هى أخذ مال الغير المنقول دون رضاه وتشمل لفظة مال القوه المحرزة (قانون العقوبات الفرنسى) وأيضاً عرفت على أنها (الاختلاس بسوء قصد شيئاً تعود ملكيته للغير وهناك من عرف السرقة ببيان مفهوم السارق إذ عرفت على أنها (كل من اختلس منقولاً مملوكاً لغيره فهو سارق) (قانون العقوبات المصرى).
وقد جاء تعريف جريمة سرقة التيار الكهربائى ضمن اللائحة التجارية لشركات توزيع الكهرباء فى مصر إذ عرفتها بأنها (استخدام المنتفع للتيار الكهربائى ، أو اتخاذ أى إجراء عمدى ينتج عنه إيقاف تسجيل العداد أو تخفيض كفاءته).
وترتيباً على ما سبق يمكننا القول أنه إذا كانت السرقة هى اختلاس مال منقول مملوك للغير بنية تملكه فإن هذه الجريمة-تقتضى وجود (مال منقول-أن يكون هذا المال مملوكا للغير-وقوع فعل اختلاس لهذا المال المنقول-أن يتم الاختلاس بقصد أو بنية التملك).
إذا الجوهر الأساسى للسرقة هو الاختلاس، والاختلاس اعتداء على حيازة منقول بنقل هذه الحيازة نقلاً غير مشروع من حوزة الشخص المجنى عليه إلى حوزة المتهم بالسرقة ،وغير مقترن برضاء المجنى عليه، وعلى ذلك فلا يعد اللص مرتكباً لجريمة سرقة إذا تجرد فعله من نقل الحيازة بشكل كامل ومطلق ،وعلى حد تعبير وتعريف قضاء محكمة النقض للركن المادى لجريمة السرقة فعل اعتداء الجانى على حيازة المجنى عليه للمال وانتزاعه أو أخذه أو الاستيلاء عليه بإدخاله فى حيازته الكاملة المطلقة دون رضاء حائزة.
مما تقدم يمكن القول أن التشريعات الجنائية المشار إليها لم تورد تعريفاً لجريمة سرقة التيار الكهربائى-وإنما اكتفت كالتشريع الأردنى والعراقى باعتبار التيار الكهربائى مالاً يصلح لتطبيق أحكام السرقة عند اختلاسه باستثناء اللائحة التجارية لشركة توزيع الكهرباء المصرية

رابعاً:-اعتبار التيار الكهربائى مال منقول يرد عليه كافة أنواع الأعتداء:-
أساس هذه المشكلة الخلاف فى فهم طبيعة التيار الكهربائى وحول ما إذا كان من المنقولات أم من العقارات فهو ليس ذا طبيعة مادية ولكنه يوزع على المشتركين ويباع لهم وفق معايير قانونية محددة، وعليه فقد ثبت علمياً أن الكهرباء مادة تحولت إلى طاقة تمر عبر الأسلاك، فللكهرباء طبيعة مادية بحتة إلا أن طبيعة استخدامها يقتضى تحويلها من صورتها المادية البحتة إلى صورة طاقة تتدفق عبر الأسلاك وصولاً إلى استخدامها ،وكما سلف فأن ثمة إجماع على اعتبار المنقول، كل شىء له قيمة يمكن نقله من مكان إلى آخر وحيازته وتملكه دون اعتبار لطبيعته أو لصورته، فقد يكون المنقول جسماً صلباً أو سائلاً أو غازياً وعلى ذلك يعد التيار الكهربائى مالا منقولا على أساس أن له قيمة مالية ، وهو أمر لا خلاف عليه، ويعد التيار الكهربائى كذلك منقولاً لإمكان نقله من مكان لأخر فضلاً عن إمكان تملكه وحيازته.
وقد استقر قضاء النقض فى فرنسا ومصر ومنذ أمد بعيد على اعتبار التيار الكهربائى من الأموال المنقولة المعاقب على سرقتها فقد ذهبت محكمة النقض المصرية بقولها إلى أنه «لا يقتصر وصف المال المنقول على مكان جسما متحيزاً قابلاً للوزن طبقا لنظريات الطبيعة، بل يتناول كل شىء يقوم قابل للتملك والحيازة والنقل من مكان لأخر، فالتيار الكهربائى-وهو ما تتوافر فيه هذه الخصائص يعد من الأموال المنقولة المعاقب على سرقتها» (نفض 11/5/2005 مجموعة أحكام محكمة النقض 145 رقم 123 ص 311)
وعليه فإن التيار الكهربائى من الأموال المنقولة التى يمكن حيازتها وتملكها ونقلها من مكان لآخر ،والقول بعكس ذلك على اعتبار الكهرباء ليست جسماً متحيزاً قابلاً للوزن طبقاً للنظريا الطبيعة قول خاطىء تماما مرده عدم الفهم الصحيح لطبيعة وماهية المنقول وطبيعة وماهية التيار الكهربائى ، فالكهرباء مادة تحولت إلى طاقة تتدفق عبر السلاك لمقتضيات الاستعمال وهى مال لأنها ذات قيمة مالية وهى كذلك منقول لإمكان حيازتها وملكيتها ونقلها من مكان لأخر

خامساً: جرائم اختلاس التيار الكهربائى:-
عندما عرف المشرع السرقة بأنها اختلاس، والاختلاس استيلاء على حيازة المنقول بغير رضاء صاحبه أو حائزة بقصد تملكه إلا أن صور الاستيلاء أو أشكاله الواقعية يصعب إن لم يستحيل ضبطها وحصرها ولذا يقع فعل الاختلاس بأى صورة من صور الاعتداء على حيازة المنقول بنقله الحيازة إلى المختلس أو السارق بقصد التملك ، ففى جريمة سرقة التيار الكهربائى قد يتمثل ركن الاختلاس فى مد السارق سلكا لتزويده بالكهرباء من الكوفرية مباشرة ودون مروره بالعداد، كما قد يتمثل فى إحداث خلل بالعداد حتى لا يسجل الاستهلاك الفعلى أو الحقيقى أو غير ذلك من الصور

سادساً: الحماية القانونية للتيار الكهربائى فى التشريعات المصرية:-
وقد أحسن المشرع المصرى صنعاً بإصداره القانون رقم 87 لسنة 2015 والذى تم تعديله بموجب القانون رقم 192 لسنة 2020 والذى غلظ عقوبة سرقة التيار الكهربائى التى تصل إلى الحبس لمدة ستة أشهر وغرامة 100 ألف جنيه وقد تضمن القانون 87 لسنة 2015 فى الباب السابع منه (العقوبات) والخاصة بكافة الجرائم التى ترد على التيار الكهربائى وذلك فى المواد من 67 حتى 78 منه
وجاء فى نص المادة 71 من قانون الكهرباء أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنية، ولا تزيد على 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استولى بغير حق على التيار الكهربائى.
وفى حالة تكرار السرقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وثمة عديد من الإجراءات القانونية المتبعة لتحرير محضر «سرقة التيار الكهربائى» فى مصر نشرها جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، عبر صفحته لى الفيسبوك

سابعاً: نصوص مواد الجرائم والعقوبات الواردة عليها فى قانون الكهرباء الجديد رقم 87 لسنة 2015
وما تلاه من تعديلات :-
نوضح فيما يلى متضمناً نصوص المواد والفعل أو السلوك الإجرامى الذى يرد على التيار الكهربائى والعقوبة المقررة له وفقاً لأحدث التعديلات

 

** خاتمة**

ويتضح مما سبق أن سرقة التيار الكهربائى أصبح فى قانون الكهرباء الجديد “استيلاء” بأنه شتان بين السرقة التى كانت توصف بها تلك الجريمة وبين الوصف القانونى الجديد (الاستيلاء) من الناحية النظرية وإجراءات المحاكمة”.

فضلاً عن أن العقوبة الجنائية قد تصل إلى السجن لمدة سنتين وغرامة تصل إلى 100 ألف جنيه، وتنقضى الدعوى الجنائية بالتصالح مع حفظ الحق فى التعويض لشركة الكهرباء، ويحسب مبلغ التصالح من خلال متوسط الاستهلاك خلال عام على أعلى شريحة استهلاك للمخالف خلال العام المنصرم من تاريخ المخالفة”.

كما أن الأسباب التى تدفع إلى الاستيلاء على التيار الكهربائى إنما تنم عن فكر إجرامي ، إذا يتحجج صاحبه بارتفاع الأسعار ، وهو ادعاء باطل”، كما أن “لجوء بعض المباني المخالفة للتراخيص والتى يصعب إدخال الكهرباء إليها إلى الاستيلاء على التيار الكهربائي لعدم قدرة أصحابها على إدخال الكهرباء بشكل شرعى ، وهنا تصبح الجريمة جريمتين”

وحيث أنه رغم تغليظ العقوبة إلا أن ذلك وحده لا يكفى لإنهاء تلك الظاهرة الإجرامية فيجب توعية المواطن بأن الاستيلاء على أية خدمة دون وجه حق هو أمر مجرم وحرام شرعاً ، وذلك هو دور المؤسسات الإعلامية والثقافية.

{والله ولى التوفيق ،،،}

 

 

                                  مع وافر تحياتي وتقديري ،،،

                                 أ.د / عمرو العربي

                                          المحامى بالنقض

                                                       مدير عام

                                               الإدارة العامة للتحقيقات والشكاوى

                                                 الشركة القابضة لكهرباء مصر

 

عدد المشاهدات : 495

EEHCNEWS اخبار الشركة القابضة لكهرباء مصر