نسخة تجريبية
ادارة التكلفة في شركات الكهرباء من منظور استراتيجي
بقلم / دكتور محاسب
محمد نجيب محمد عثمان
مدير عام دراسات التكلفة للشركات
الشركة القابضة لكهرباء مصر
Email : prof_mnageb@yahoo.com
تمثل المتغيرات البيئية والاقتصادية الحديثة وما يشهده الاقتصاد المصري من تحولات سريعة وهامه لبيئة التصنيع والمنافسة، تحدياً كبيراً على نظم التكاليف، وبالتبعية التأثير على نماذج اتخاذ القرار ومعلومات التكاليف الملائمة لتشغيل تلك النماذج.
وبمراجعة طبيعة الوحدات الاقتصادية غير المتنافسة، يتبين أن هذه الوحدات تعمل في ظل بيئة لممارسة الأعمال تتسم بأسواق ذات منافسة محدودة. وقد فرضت القيود والتشريعات الداخلية على المنتجات أو الخدمات التي تقدمها هذه الوحدات وضع شبه احتكاري، جعلها تتحكم من خلاله في أسواق بيع هذه المنتجات. وعلى ذلك كان طبيعياً أن يتقلص الدور الذى تؤديه نواتج نظم التكاليف في هذه الوحدات ليصبح قاصراً على تقييم المخزون واعداد الموازنات.
وفي ضوء توصيف طبيعة الوحدات الاقتصادية غير المتنافسة، يمكن ايجاز الخصائص الأساسية للوحدات الاقتصادية في ظل بيئة شبه احتكارية في الشكل رقم (1)
ومن الشكل السابق، يتبين أن ممارسة الأعمال في ظل بيئة شبه احتكارية تتسم بمجموعة من الخصائص الأساسية منها:
*- وجود قيود وتشريعات حكومية واستخدام عمليات انتاج وتكنولوجيا تصنيع تقليدية، وقد انعكس ذلك على مفاهيم التكلفة في هذه الوحدات ليصيبها التقادم والقصور عن الاستجابة لاحتياجات بيئة الأعمال العصرية.
*- تقادم أنظمة محاسبة التكاليف في ظل هذه البيئة من خلال استخدام معايير تكلفة تقليدية ومقاييس ذات أبعاد داخلية.
*- يقتصر الدور الذى تؤديه معلومات التكاليف لخدمة قرارات التسعير في ظل هذه البيئة، على عمليات تقييم المخزون والرقابة على العمليات واعداد الموازنات.
*- ترتكز تحليلات التكاليف على الاهتمام بالجوانب الداخلية للأداء مثل: التغير في حجم الإنتاج والقيمة المضافة.
*- الثبات في مواصفات المنتج وطرق التصنيع المستخدمة في عمليات الإنتاج.
*- مفهوم الاستخدام الأمثل للموارد، في ظل هذه البيئة غير التنافسية، يمثل مفهوماً مغلقاً على الامكانيات المادية والبشرية، ومدى قدرتها على توظيف هذه الموارد.
*- يترتب على هذه النظرة الداخلية في استخدام الموارد، وجود طاقات عاطلة وعمالة زائدة وتراكم في المخزون، بالإضافة إلى الاسراف في استخدام هذه الموارد.
*- تستند الادارة في هذه الوحدات في بناء أحكامها على الأداء إلى معايير داخلية وفقاً لرؤيتها الخاصة، وفي أغلب الأحوال تكون الادارة قانعة بالقدرة الانتاجية النظرية للطاقة المتاحة، لأنها صاحبة القرار في حيازتها أو اقتنائها
وهكذا يتبين أن مستويات الأداء في ظل هذه البيئة لم تعد فعالة لمواجهة تمتع ممارسات وحدات الأعمال الأخرى بمستويات كفاءة أعلى أو على الأقل تمكينها من تحقيق ميزة نسبية في انتاج وبيع نفس السلعة أو الخدمة.
وقد أظهرت العديد من الدراسات أن القصور في أداء نظم التكاليف التقليدية لوظائفها المتعارف عليها، ترتب عليها اتخاذ الكثير من القرارات بشكل غير صحيح، كما أن هذه النظم يمكن وصفها بأنها تقابل احتياجات التقارير المالية، ولا تساعد على تحديد تكلفة المنتجات بدقة. ولذا، كان بديهياً ضرورة البحث عن أسلوب يلائم تلك التغيرات.
وفي ضوء الاتفاقيات العامة للتعريفات والمنافسة المتزايدة، أصبح على الشركات إذا أرادت أن تستمر أن تسعى نحو تحقيق مركز تكاليف تنافسي قادر على المواجهة لبيئة الأعمال. وفي قطاع الكهرباء، بدأت بالفعل أولى خطوات هذا الاتجاه بإصدار قانون الكهرباء رقم 78 لسنة 2015 ولائحته التنفيذية، والتي تنظم عملية التحول التدريجي لهذه الشركات نحو آليات السوق، لإحداث تطوير في مجال تدعيم متطلبات تحقيق التسعير التنافسي لوحدة الطاقة الكهربائية.
ادارة التكلفة في شركات الكهرباء من منظور استراتيجي
تمثل مشكلة خفض تكلفة وحدة الطاقة الكهربائية أهم المشكلات التي تواجه شركات الكهرباء في ظل وجود سوق تنافسية مستهدفة، وفي نفس الوقت يمثل الهدف الذى يجب أن تسعى اليه هذه الشركات. والمتمثل في أن سعر بيع الطاقة الكهربائية هو السعر الذى يجب أن يستند إلى قاعدة التكلفة المحسوبة على أساس الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة وتعظيم الاستفادة منها في هذه الشركات؛ وذلك لأغراض تحقيق وفورات في التكلفة تُمكنْ من اكتساب أكبر شريحة من السوق المتاحة والمستهدفة، وبهذا الشكل، يُمكن التحول بشركات الكهرباء إلى القيام بممارسة أنشطتها في ظل بيئة تنافسية .
وجدير بالإشارة، أنه في قطاع الكهرباء يوجد فجوة كبيرة بين الاستثمارات والعائد من بيع الطاقة الكهربائية، كما تتصف معلومات التكاليف التي تقدمها النظم التقليدية الجاري استخدامها في شركات الكهرباء بعدم الدقة، ولأغراض التوصل إلى أرقام مقبولة عن التكلفة يتم إجراء تسويات غير رسمية في أرقام التكلفة لتسعير الطاقة المتبادلة بين شركات الكهرباء.
وعلى ذلك، أصبح احداث وفورات استراتيجية في تكلفة وحدة الطاقة في شركات الكهرباء لأغراض أسواق الكهرباء المحلية والدولية المستهدفة، يمثل هدف تسعي اليه تلك الشركات، من خلال توافر مجموعة من المتطلبات أو الخصائص، والتي تتمثل في تنقية قاعدة التكلفة من جميع أوجه الإسراف والضياع التي يجب تجنبها، للوصول إلى الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة في هذه الشركات
وعلى ذلك نشير إلى أن السبيل لإيجاد حل لمشكلة تحديد سعر البيع العادل لوحدة الطاقة الكهربية الواجب استخدامه؛ يتمثل في إكساب قاعدة التكلفة التي يتم تسكينها نموذج التسعير المحاسبي نفس خصائص الأسعار في ظل المنافسة. فقد ترتفع التكلفة الاجمالية لوحدة الطاقة الكهربائية عن سعر البيع لأسباب مؤقتة؛ نتيجة ارتفاع مفاجئ في تكلفة الوقود المستخدم في تشغيل وحدات التوليد ،،،، أو نتيجة وجود طاقة غير مستغلة أو فقد في الطاقة،،،،، ثم تنخفض التكلفة مرة أخرى بزوال هذه الأسباب،،،. وعلى ذلك يتطلب بناء قدرات تنافسية في شركات الكهرباء أن تكون أسعار البيع مرنة، أي ترتفع وتنخفض استجابة للتغيرات في عوامل متعددة،،،،،.
وجدير بالإشارة .. أن التكاليف تمثل الأداة التي ارتضتها المجتمعات كمعيار للحكم على عدالة الأسعار. وطبقاً لذلك، تصبح قدرة السعر على استرداد التكاليف المحسوبة على أساس الاستغلال الأمثل للموارد في ظل عدم وجود دعم للطاقة في شركات إنتاج الكهرباء، وكذلك عدم وجود طاقة عاطلة أو فقد غير مسموح به يمكن تجنبه في الطاقة؛ هو المعيار الذي يجب الاستناد إليه كمقياس لسعر البيع العادل في هذه الشركات لأغراض أسواق الكهرباء المستهدفة واتفاقيات الربط الدولي، ويمثل الحد الأدنى الذى لا يجوز النزول عنه، وفقاً لنموذج التسعير الذى تجيزه التشريعات والذى يستند إلى قاعدة التكاليف المحسوبة طبقاً للأساس السابق كمعيار للحكم على عدالة الأسعار
ويشكل نظام المعلومات الاستراتيجي الأداة الأساسية التي يتم الاعتماد عليها في تحقيق عوامل النجاح الرئيسية، ويمثل تحديد الاستراتيجية التنافسية التي تتبعها الوحدة نقطة البداية في إعداد نظام المعلومات الاستراتيجي. حيث تكشف الاستراتيجية عن المحور الذي يجب أن توجه إليه اهتمامات ذلك النظام، وتلعب الإدارة الاستراتيجية للتكلفة دوراً هاماً في بناء نظام المعلومات الاستراتيجي.
ويمكن للشركات التي تعمل في قطاع الكهرباء، الحصول علي ميزة تحقيق الخفض الاستراتيجي لتكلفة وحدة الطاقة الكهربية، من خلال استراتيجية التميز التكاليفي في هذه الشركات، إذا أمْكنها استخدام حجم أقل من الموارد مقارنة بالشركات التي تعمل في إنتاج نفس القدر من الطاقة وبنفس الجودة، وتستند في قياس وتحليل التكاليف إلى أدوات الادارة الاستراتيجية للتكلفة. وتتمثل الأدوات الاستراتيجية لادارة التكلفة في الوسائل والأساليب التي تعتمد عليها الوحدة الاقتصادية لتحقيق الميزة التنافسية المرغوبة، ومن خلال الشكل رقم (2) يعرض الكاتب بعض هذه الأدوات المعاصرة
.
واستناداً إلى ما سبق، نخلُص .. إلى أنه يجب على شركات الكهرباء ضرورة النظر إلى إدارة التكلفة كجزء جوهري من التخطيط الاستراتيجي، بهدف تدعيم القدرة التنافسية. وحتى تتمكن من تحقيق هذا الهدف، يتطلب ذلك الاهتمام بمركز الوحدة التكاليفي بين المنافسين على إنتاج وبيع نفس المنتج. وتتمثل الأدوات الاستراتيجية لادارة التكلفة في الوسائل والأساليب التي تعتمد عليها الوحدة الاقتصادية لتحقيق الميزة التنافسية المرغوبة.
وجدير بالإشارة .. أن التحليل الاستراتيجي للتكاليف يمثل نقطة البداية الحقيقية لمساعدة الوحدات الاقتصادية على تخطيط جميع أوجه نشاطها، والتعرف على العقبات أو التهديدات التي تواجهها، لتحديد كيفية التغلب عليها، بالاعتماد على عدد من الأدوات القادرة على تحقيق ذلك.
.
.